هاتف: +96597379393 | بريد الكتروني: [email protected]

المدونةتقرير: إيران .. المشكلة والحل

تقرير: إيران .. المشكلة والحل

الإثنين 01/01/2018      الكاتب: حسين الصباغة

 

الكثير منا يعلم ما هي المعضلة الإيرانية، دون أن يعرف جذور تلك المسألة وأقصد بها مسألة العداء الإيراني-العربي، على المستويين السياسي والاستراتيجي، ثمة مخاوف عديدة لدى دول المنطقة من إيران مع كل حدث سياسي أو أمني ويتم على إثرها إطلاق مواقف إعلامية وسياسية تزيد من المخاوف والفجوة بين العرب وإيران، وسط تراشق واتهامات متبادلة من الطرفين بأن الآخر هو المذنب وهو ما يعمق الفجوة والهوة بين الطرفين العربي والإيراني، لذلك نحن بحاجة إلى مبادرة إيرانية أو عربية تستهدف الحوار مع الطرف الآخر بكل جدية ووضوح ووضع النقاط على الحروف وصياغة العلاقة على أسس عميقة أساسها المصالح المتبادلة الجيو استراتيجية.

وإن مصادر التهديد التي تراها دول مجلس التعاون الخليجي يكمن في:

  1. داخلية
  • دينية متطرفة مصدرها الفكر الأصولي التكفيري المتشدد.
  • دينية طائفية مصدرها الثقافة المذهبية المسندة في إيران وتداعيات الوضع العراقي.
  • اجتماعية مصدرها الجاليات الأجنبية الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي.
  1. خارجية
  • إيرانية مباشرة تستهدف تلبية مطالب خاصة بالمياه الإقليمية في الممرات الملاحية وبالأخص مضيق هرمز.
  • إيرانية غير مباشرة تنشأ عن استفزاز إيراني لسلامة ابحار القوات الأمريكية أو بالعكس.
  • إسرائيلية مباشرة عبر خرق إسرائيل لحرمة أجواء دول مجلس التعاون الخليجي في طريقها لضرب منشآت إيران النووية وقد يؤدي إلى آثار سلبية على الأمن والاستقرار في دول المجلس.

تكمن المسألة الإيرانية بأنه ذو طموحات سياسية ثورية برزت لدى قادتها منذ الثورة الإيرانية 1979 وقد اندرج منها مصطلح (تصدير الثورة)، والسؤال المهم هنا هل أركان تصدير الثورة كاملة ؟

الاجابة بالطبع لا وهي في الحقيقة أقرب للحماس الثوري في حينها وتغير ذلك في عهد رفسنجاني وخاتمي مما جعلها في مرحلة إعادة الإعمار والانفتاح أواخر التسعينات في مواجهة المحافظين في الداخل الإيراني. لذلك فإن المشكلة الحقيقية بين العربي وإيران تكمن في العوامل التالية:

  1. تباين الخيارات السياسية، أي أن إيران تنظر للمنطقة بنظرة متناقضة مع العرب.
  2. الاختلاف القومي والمذهبي، وانعكاساته على الخيارات السياسية والاستراتيجية.
  3. العامل الدولي ومصالحه في المنطقة (الولايات المتحدة – روسيا – الاتحاد الأوروبي – بريطانيا).

كما أن المسألة تفاقمت لعجز في مختلف المستويات:

  1. عجز عربي عن انتاج مشروع نظام اقليمي عربي جديد يرسم أدوارا واضحة للجميع.
  2. عجز إيراني عن انتاج معادلة داخلية جديدة تخرج من مشروع الثورة الدائمة ومن أزمة ولاية الفقيه لتدخل في عمل مشترك مع العرب من نموذج ديمقراطي تعددي وحضاري.
  3. عجز أمريكي عن تغليب منطق العدل والحقوق وعن صياغة علاقات متوازنة مع دول المنطقة وترجيح كفة إسرائيل على الجميع.
  4. عجز أوروبي عن صياغة مشروع موحد وفاعل في الشرق الأوسط خارج إطار الهيمنة الأمريكية والذي سمح لروسيا والصين بالنفاذ إلى المنطقة مجدداً.
  5. عجز إسلامي عن إقامة تضامن حقيقي بين أنظمة العالم الإسلامي لبلورة الجهود ومواجهة التحديات.

والسؤال المهم هنا ، هل الاستراتيجية الإيرانية هجومية أم دفاعية ؟

المشروع الإيراني هو مشروع دفاعي ولا يمكن وفق المعطيات القائمة أن يتعداه ويتحول لاستراتيجية هجومية، بدليل أنها محاصره منذ سنوات ومعاقبة دوليا، ومهددة بهجوم عسكري إسرائيلي – أمريكي، ومحاطة كذلك بوجود عسكري أمريكي في أفغانستان والعراق وآسيا الوسطى والخليج. ولهذه الاعتبارات تعتبر الاستراتيجية الإيرانية هي دفاعية حتى إن كان خطابها يوحي بالهجوم لأنها تستهدف في الحقيقة فك عزلتها، وإنهاء المخاطر المحدقة بها والتعامل مع دورها ونفوذها بوصفه حاجة ضرورية لأمنها القومي وليس لتهديد الآخرين.

وما يهدف الغرب للوصول إليه هي جملة من الجهود السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي تستهدف اعتبار إيران العدو الحقيقي والقادم للعالم العربي باستخدام كل الوسائل بما فيها المذهبية لإقناع الشارع العربي بهذه الفكرة وهو ما سيكلف المنطقة الكثير على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لجعل التوتر الأمني مفتوح وللاندفاع نحو التسلح وعقد الصفقات العسكرية الكبرى.

لذلك يجب أن ندرك نحن العرب أن الاندفاع نحو خيار المواجهة مع إيران والذي يتم تحت تشجيع غربي (أمريكي خصوصا)لا ينسجم مع مقتضيات الأمن القومي العربي بل يتطلب العمل على بناء مقاربة مختلفة للتعامل مع إيران، لأن ما نراه اليوم هو دفع الغرب بنا نحو مخاصمة إيران وهو في المقابل تندفع نحو الحوار والتفاوض معها وعقد الصفقات (منها صفقة بوينغ وغيرها) والحل يكون نحو التوجه إلى خيار سياسي يحفظ مصالحنا واستقرار منطقتنا فإيران كأي دولة لها مشروعها وأجندتها الخاصة وطبيعي بعض منها لا ينسجم مع مصلحة الدول العربية لكن لا يبرر لأي طرف الدفع نحو الحرب والمواجهة المفتوحة، لنؤكد على أهمية الحوار في معالجة المشكلات وبناء قواعد صلبة للعلاقات المستقبلية غير ذلك سيكون على حساب حاضر العرب وإيران ومستقبلها.

إن المشكلة الإيرانية لا تكمن في برنامج إيران النووي بل بسبب نفوذها الإقليمي الذي هو بالضرورة ضد الكيان الصهيوني وسعيه نحو الهيمنة في المنطقة فالولايات المتحدة قادره سياسيا واستراتيجيا التعايش مع إيران النووية لكنها لا يمكن أن تتعايش مع إيران بنفوذ إقليمي واسع ضد الكيان الصهيوني لذلك تسعى الولايات المتحدة للعمل على إخراج إيران من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي لأنه سيكون مفيدا للغرب والولايات المتحدة ولن يكون مفيدا للعرب على المدى البعيد لأنه سيدفع العرب نحو تسويه مذلة للعرب مع إسرائيل بخصوص القضية الفلسطينية دون أن يصبحوا شركاء في إدارة المنطقة والإقليم ولذلك أرى أنه من الضروري إعادة النظر في مشروع العلاقة مع إيران من خلال:

  1. إعادة بناء مشروع التواصل والحوار بين الطرفين لبناء قواعد العلاقة وأساسها.
  2. عدم المساهمة في اسقاط المنطقة بمشروع الفتنة الطائفية، لأن اشتعال المنطقة طائفيا لن يريح أحدا وإنما الجميع سيكون خاسرا.

يبدو أن المنطقة تتجه نحو تطورات متسارعة وأن الإدارة الأمريكية تدفع بالأوضاع السياسية في المنطقة للاصطفاف الأمني والسياسي ضد إيران وأن تتحول إسرائيل إلى كيان طبيعي في المنطقة، له علاقات سياسية واقتصادية مع دول المنطقة، وتتحول إيران إلى العدو القادم في منطقة الشرق الأوسط (وقد بدأ ذلك من خلال شيطنه إيران بعد أحداث 11 سبتمبر 2001) وعلى العرب أن يحذروا خطورة الوضع لسبيين:

  1. المنطقة لا تحتمل حربا جديدة في ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة.
  2. ليس من مصلحة العرب عزل إيران وخلق عداوة على أسباب واهمة دون حوار حقيقي.

لأن ذلك سيؤدي إلى تخلي العرب عن قضيتهم المركزية (الفلسطينية) وهو ما نراه اليوم بغياب المشروع العربي الاستراتيجي لحل القضية الفلسطينية.

إن التهويل من إيران وجعلها بعبعا أدى إلى ما أسميه (الايرانوفوبيا) وجاء ذلك بسبب التقصير العربي الواضح الذي بسببه تعاظم النفوذ السياسي لإيران من خلال تلك الأقلام والآراء التي تعمل على إخفاء الحقيقة والتأكيد على المسألة المذهبية كوسيلة لخلط الأوراق وادخال المنطقة في نزاعات وصراعات لا تخدم الاستقرار السياسي لأوطننا ولا تخدم الأمن الاستراتيجي للمنطقة.

والسؤال الذي تسأله نفسك عزيزي القارئ، ما الحل إذا ؟

إيران كجغرافيا وكدولة ليست طارئة على منطقتنا وإنما هي جزء أصيل من هذه المنطقة، ووجود خلافات سياسية أو استراتيجية مع خياراتها لا يعني تجاهلها أو التغافل عنها، وهي أحد جيراننا – لذلك لابد من فتح قنوات حوار مع الدولة الإيرانية لأن غياب هذا الحوار وغياب التفاهم الاستراتيجي بين العرب وإيران في المنطقة سيكلف الجميع خسائر على كافة الأصعدة، وأن مصلحة الدول العربية وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي الاستراتيجية تتجسد في فتح قنوات حوار حقيقية مع إيران للتفاهم حول ملفات المنطقة الأساسية.

إن الحوار ليس مشروعا لكسب الوقت إنما هو فضاء حقيقي للتواصل ولبناء معالجات حقيقية لأهم المشكلات بين العرب وإيران، وإن علاقة الدول العربية بإيران هي علاقة متفاوتة بالإضافة إلى أهمية تشبيك المصالح وتطوير التبادل الاقتصادي والتجاري.

الخلاصة، إن الحل الواقعي للمشكلة مع إيران يكمن في النقاط التالية:

  1. رفض تطييف الأحداث السياسية (جعلها من منظور طائفي) المتشابكة لأنه يضر باستقرار المنطقة.
  2. صياغة مبادرة خليجية وتصور استراتيجي خليجي يستهدف تطوير العلاقة السياسية والاقتصادية مع إيران وبناء منظومة سياسية وأمنية خليجية تشترك فيها إيران بوصفها دولة مطلة على الخليج لضمان أمن الخليج.
  3. الحاجة إلى مبادرة سياسية –دبلوماسية تستهدف خلق إطار للحوار والتفاهم الاستراتيجي بين دول المنطقة وإيران.

ختاما، دعوة إلى جميع النخب العربية والإيرانية إلى مراجعة الآثار الثقافية والاجتماعية والنفسية للحرب العراقية-الإيرانية وقياسها على طبيعة العلاقة بين العرب وإيران، لأنني أعتقد مع مختلف الكتاب في ذات المجال بأنها تركت آثار عميقة في المجتمعين العربي والإيراني على كافة المستويات. لذلك لا يمكن رصد عناصر التوتر في العلاقة العربية-الإيرانية دون الرجوع لتلك الحرب وتداعياتها من مفردات التسويه والإلغاء والنبذ التي تم نحتها وإبرازها في أجواء الحرب والتحريض القومي والعنصري والمذهبي إبان تلك الحرب.

دمتم بود.

 

 

أضف تعليق