هاتف: +96597379393 | بريد الكتروني: [email protected]

المدونةالكمالية التركية ..

الكمالية التركية ..

الأربعاء 13/05/2015      الكاتب: أ. حسين الصباغة

 

الكمالية في النظام المعياري للدولة التركية ، سواء  أصبحت الكمالية جزءا من الدستور الجديد أو لم تصبح، فان ذلك سيحدد خصائص الديمقراطية للنظام القادم. فبالنظر الى التوافق بين الكمالية والديمقراطية، نجد أن هذا العمل يحاول إثبات أنه إذا لم يتم التخلي عن الكمالية كأيديولوجية يحميها الدستور والقانون، فلن تكون هناك ديمقراطية ليبرالية كاملة في تركيا

تركيا في طريقها لصياغة دستور جديد. فقد تم تكليف اللجنة البرلمانية، التي تتكون من الأحزاب السياسية الأربعة الممثلة في البرلمان، لكتابة مسودة الدستور. ووفقا لاستطلاعات الرأي العام، فان نسبة 70 في المائة من المواطنين يؤيدون فكرة صياغة دستور جديد.

على الرغم من الدعوات المتحمسة لوضع دستور جديد إلا انه ما زالت هناك موضوعات مثيرة للجدل يجب معالجتها، لذلك فان التوصل إلى توافق سيظل تحديا. ومن بين تلك الموضوعات؛ الجدل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك إشارات إلى “المبادئ الأتاتوركية” و “القومية الأتاتوركية” كأساس أيديولوجي للدستور.

إذا أصبحت الكمالية جزءا لا يتجزأ من الدستور الجديد فانها ستحدد خصائص الديمقراطية للنظام القادم. وما يثير القلق هو أن الدستور الذي يتبنى أيديولوجية رسمية لا يستطيع ان يلبي متطلبات النظام المعياري من أجل الديمقراطية الليبرالية.

ما يثير القلق هو ان الأداء الديمقراطي للدستور الحالي يوصف عادة بالاستبدادي، والمركزى، والأيديولوجي. فهو لا يحمي فقط الكمالية كأيديولوجية ولكن يرسخها كأيدولوجية عليا للدولة ويجبر جميع المواطنين الأتراك على الالتزام بها.

لكم المشكلة في تعديل بعض مواد الدستور التركي ، فإن المادة الثانية ؛ وهي إحدى المواد الثلاث التي لا يمكن تعديلها أو حتى يُقترح تعديلها، "تصف" الجمهورية التركية بالموالية لقومية أتاتورك، والمادة 58 تمنح الدولة مهمة تربية وتثقيف الشباب وفقا للفكر الكمالي. وتنص هذه المادة على أنه: يجب على الدولة أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان تدريب وتطوير وتنمية الشباب وفقا لمبادئ وإصلاحات أتاتورك ، وكل هذا يوضح أن الأيديولوجية الرسمية” تضع حدودا لحرية الفكر والتعبير. فالدستور لا يسمح أن تقوم الدولة بحماية أنشطة غير كمالية.

لذلك فإن السؤال المهم هل الكمالية متوافقة مع الديمقراطية ؟

لكمالية ترسم صورة لأمة متجانسة، ومجتمع منضبط، واقتصاد تحت الرقابة وسياسة إستبدادية. لذلك إستخدمت أجهزة الدولة وسائل قمعية لتجسيد هذه الرؤية. كما أن فترات حكم الكماليين تعتبر من أقل الفترات ديمقراطية في الحياة السياسية التركية. لقد كانت الكمالية أساس سيادة الحزب الواحد منذ عام 1925 وحتي عام 1945، وكانت دائما الذريعة التي تبرر الإنقلابات العسكرية منذ عام 1960. الكمالية والديمقراطية لا يجتمعان كما يبرهن التاريخ الحديث لتركيا.

ومن الناحية النظرية، فان وجود أيدولوجية للدولة مثل الأيديولوجية الكمالية تعتبر غير متوافقة مع الديمقراطية الليبرالية التي لا ترحب فقط بتعدد وجهات النظر والبرامج والأيديولوجيات، بل تحتاج إلي كل هذه الأشياء. ينبغي أن يتم عرض “الآراء” على المجتمع في جو من التنافس الحر لكسب تأييد الشعب. لذلك يجب أن تكون الكمالية إحدي الأيدولوجيات المتنافسة التي تسعي الي كسب تأييد الشعب في سوق الأفكار الحرة.

كل أيديولوجية تري أنها “جيدة” و “صائبة”، ولكن إذا احتكرت أي أيديولوجية “الحقيقة”، وحصلت على تفوق دستوري على مجموعات أخرى من الأفكار والأيديولوجيات، فإنها لا يمكن أن تكون متوافقة مع الديمقراطية، التي تتطلب تعدد وجهات النظر المتنافسة مع بعضها البعض. وإذا قامت أي دولة على أيدولوجية واحدة، فمن المستحيل أن تزدهر الديمقراطية أو يسود القانون، وذلك ببساطة لأن النظام الدستوري لن يحمي تعددية الأفكار والأيديولوجيات، ولكن سيحمي الأيدولوجية التي أسس عليها.

لذلك تحتاج تركيا الجديدة إلى دستور ما بعد الكمالية، دستور يتميز بتعدد الهويات، واحترام أنماط الحياة الفردية وسيادة السلطة المدنية على العسكرية. نظام مثل ما بعد الكمالية سيحافظ على نموذج دولة الأمة، و يعترف بالتعددية الإثنية، ويحترم العلمانية ويعيد تعريفها بحرية، حتي لا يتم فرض وجهة نظر معينة على المواطنين.

لذلك فتركيا في حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لإعادة تعريف العلمانية بطريقة أكثر ديموقراطية وليبرالية، على نحو يتم فيه إستيعاب الدين في الحياة العامة، وذلك لضمان حيادية الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات المختلفة، ووقف الدولة عن التدخل في الشؤون الدينية.

كما أنه هناك حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لأن الكمالية التي ترى الأمة متجانسة، كما ورد في تعريف المواطنة في الدستور الحالي، لا تعكس الواقع الإجتماعي للبلد. 

كما أن هناك حاجة إلى الإعتراف بتعدد الأعراق. وبالطبع فإن وجود الأكراد، كعرق وهوية مختلفة لا يتناغم مع التخيل الكمالي بأمة متجانسة تحكمها طليعة النخبة الكمالية. لذلك تم قمع كل من رفض هذه الأفكار وأُجبر على الرضوخ ، وتم استخدام المسألة الكردية كذريعة لتبرير التشكيلات السياسية الاستبدادية، والتي كانت عقبة أمام التحول الديمقراطي.

لذلك لم يعد من الممكن الإدعاء بأن الكمالية هي الأيديولوجية العليا ، التي ينبغي على الجميع إظهار الولاء لها. الدستور الجديد الديمقراطي لن يحاول فرض إيديولوجية معينة على المواطنين الأتراك ، فينبغي على تركيا أن تتخلى عن فكرة الكمالية كأساس للدولة المنصوص عليها في الدستور الحالي ، فالدستور الغير كمالي سيمهد الطريق للديمقراطية بشكل كامل وسيعمل على تعزيز سيادة القانون في تركي ، لذلك لا يمكن تعزيز الديمقراطية دون النظر إلى الدور الذي لعبته الكمالية في خلق والحفاظ على عناصر معادية للديمقراطية في السياسة التركية. إذا لم يتم التخلي عن الكمالية كأيديولوجية يحميها الدستور والقانون، فلن تكون هناك ديمقراطية ليبرالية كاملة في تركيا.

دمتم بود .

 

 

أضف تعليق